فصل: (سورة البقرة: آية 203):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: الآيات 200- 202]:

{فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202)}.

.اللغة:

{المناسك} جمع منسك، بفتح السين وكسرها، وهو مصدر ميمي أو اسم مكان، والأول أرجح، أي عبادات حجكم.

.الإعراب:

{فَإِذا} الفاء استئنافية وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه {قَضَيْتُمْ} فعل وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة {مَناسِكَكُمْ} مفعول به والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} الفاء رابطة لجواب الشرط واذكروا اللّه: فعل أمر وفاعل ومفعول، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {كَذِكْرِكُمْ} الكاف مع مجرورها في محل نصب مفعول مطلق أي: اذكروا اللّه ذكرا مماثلا لذكركم آباءكم، أو حال {آباءَكُمْ} مفعول به للمصدر المضاف لفاعله {أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} هذا العطف مما يشكل على المعرب، وفيه أقوال يضيع الطالب في متاهاتها. ولما كانت الأقوال التي أوردها النحاة والمفسرون متساوية الرجحان رأينا تلخيصها على وجه مبسط قريب:
1- {أشدّ} معطوفة على الكاف، أي كذكركم أو ذكر قوم أشد منهم ذكرا.
2- أشدّ معطوفة على آبائكم فهي منصوبة بمعنى أو أشد من ذكر آبائكم.
3- أشدّ معطوفة على نفس الذكر، ولابد من حمل الكلام عندئذ على المجاز العقلي من باب قولهم: شعر شاعر، وجن جنونه، ونحوهما. ويبقى على هذه الأوجه أمر أكثر إشكالا، وهو أن اسم التفضيل يضاف إلى ما بعده إذا كان من جنس ما قبله، كقولك: ذكرك أشدّ ذكر ووجهك أحسن وجه، وإذا نصب ما بعده على التمييز كان ما بعده غير الذي قبله، كقولك: عليّ أجمل وجها، فالجمال للوجه لا لعلي ولو قلت: زيد أكرم أبا لكان زيد من الأبناء، ولو قلت: زيد أكرم أب لكان زيد من الآباء.
4- وأخيرا وجه لجأ إليه أبو البقاء العكبري بعد أن أعيته الحيل فقال: وعندي أن الكلام محمول على المعنى، والتقدير: أو كونوا أشد ذكرا للّه منكم لآبائكم. ودل على هذا المعنى قوله تعالى: {فاذكروا اللّه}. أي كونوا ذاكريه.
وبعد أن أورد أبو حيّان هذه الوجوه وصفها كلها بالضعف وقال: وقد ساغ لنا حمل الآية على معنى أنهم أمروا بأن يذكروا اللّه ذكرا يماثل ذكر آبائهم أو أشد، وذلك بتوضيح واضح ذهلوا عنه، وهو أن يكون {أشدّ} منصوبا على الحال وهو نعت لقوله: {ذكرا} لو تأخر، فلما تقدم انتصب على الحال، كقولهم:
لمية موحشا طلل يلوح كأنه خلل

فلو تأخر لكان: لميّة طلل موحش، وكذلك لو تأخر هذا لكان أو ذكرا أشد يعني من ذكركم آباءكم، ويكون إذ ذاك أو ذكرا أشد معطوفا على محل الكاف من كذكركم.
قلنا: ولعله أقرب إلى المنطق وأدناه إلى الفهم، وقد اكتفى به بعض المفسرين المتأخرين في حواشيهم المطوّلة. {فَمِنَ النَّاسِ} الفاء استئنافية والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم {مَنْ} اسم موصول مبتدأ مؤخّر {يَقُولُ} فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو يعود على من، وقد روعي لفظ من وهو مفرد، ولو روعي معناه لقال: يقولون، والجملة المستأنفة لا محل لها وهي مسوقة لبيان حال الكافرين وحال المؤمنين والفرق بين المطلبين وجملة: {يقول} صلة من. {رَبَّنا} منادى مضاف منصوب وقد حذف حرف النداء {آتِنا} فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل مستتر تقديره أنت، وضمير المتكلم المجموع مفعول آت الأول والمفعول الثاني محذوف أي نصيبنا و{فِي الدُّنْيا} جار ومجرور متعلقان بآتنا {وَما} الواو حالية وما نافية {لَهُ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم {فِي الْآخِرَةِ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {مِنْ خَلاقٍ} من حرف جر زائد وخلاق مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} عطف على الجملة السابقة، وقد تقدم إعرابها، وصرح هنا بالمفعول الثاني ترغيبا وتعليما {وَقِنا} الواو عاطفة وق: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت وضمير الجمع مفعول ق الأول {عَذابَ النَّارِ} مفعول ق الثاني {أُولئِكَ} اسم الإشارة مبتدأ {لَهُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم {نَصِيبٌ} مبتدأ مؤخر والجملة خبر اسم الإشارة، والجملة مستأنفة لبيان حال الفريق الثاني، لأن حال الفريق الأول تقدم ذكره بقوله: {وما له في الآخرة من خلاق} {مِمَّا} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لنصيب {كَسَبُوا} فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول ما {وَاللَّهُ} الواو مستأنفة واللّه مبتدأ {سَرِيعُ الْحِسابِ} خبره. والجملة المستأنفة مسوقة لبيان قدرته تعالى على محاسبة جميع الخلائق في أقل من لمح البصر.

.البلاغة:

وردت في أحد الأعاريب لقوله: {أشد ذكرا} إشارة إلى المجاز العقلي، وقد سبق بحثه، ونزيد هذا المجاز بسطا فنقول: إسناد الذكر إلى الذكر مستحيل ولكنه ملابسة له أصبح كأنه شخص عاقل أجنبيّ عنه يقوم به، وجميل قول أبي تمام:
تكاد عطاياه يجنّ جنونها ** إذا لم يعوّذها بنغمة طالب

فقد أسند الجنون إلى مصدره، والسرّ فيه ما أوضحناه من الملابسة الشديدة التي تجعل غير العاقل عاقلا لشدة وقوعه منه، ويكاد الطلاب يلتبس عليهم الفرق بينه وبين الاستعارة المكنية مع أنه ليس فيه مشابهة مقصودة. وقال أبو فراس:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدهم ** وفي الليلة الظّلماء يفتقد البدر

ولأبي الطيب مقطوعة وردت على نمط المجاز العقلي، وهي من جيد الشعر:
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا ** وعناهم من أمره ما عنانا

وتولوا بغصّة كلّهم منـ ** ـه وإن سرّ بعضهم أحيانا

ربما تحسن الصّنيع لياليـ ** ـه ولكن تكدّر الإحسانا

كلما أنبت الزمان قناة ** ركب المرء في القناة سنانا

.الفوائد:

تزاد من الجارة في الفاعل والمفعول به والمبتدأ بشرط أن تسبق بنفي أو نهي أو استفهام وأن يكون مجرورها نكرة وعندئذ تطرد الزيادة، وسيأتي المزيد من أمثلتها.

.[سورة البقرة: آية 203]:

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}.

.اللغة:

{تُحْشَرُونَ} تجمعون، والحاء والشين إذا وقعتا فاء وعينا للكلمة دلّتا على معنى الجمع والامتلاء والحشد، وهذا ما تقصيناه وحشدنا له كل ما وصلت إليه أيدينا من مظانّ اللغة ومراجعها المطولة، ومنه الحشّاش أي جامع الحشيش أو شاري الحشيشة، وهي نبات تستخرج منه مادة مسكرة، والحشمة: الحياء، وهي تدل على أن المرء جمع نفسه كيلا تبدر منه بادرة. ومنه الحشم أي الخدم المجتمعون.

.الإعراب:

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ} الواو عاطفة واذكروا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ومفعول به {فِي أَيَّامٍ} الجار والمجرور متعلقان باذكروا {مَعْدُوداتٍ} صفة لأيام، وهي أيام التشريق الثلاثة، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهو مذهب الشافعي، أو يوم النحر ويومان بعده وهو مذهب أبي حنيفة {فَمَنْ} الفاء استئنافية ومن شرطية مبتدأ {تَعَجَّلَ} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط {فِي يَوْمَيْنِ} الجار والمجرور متعلقان بتعجل {فَلا إِثْمَ} الفاء رابطة ولا نافية للجنس وإثم اسمها المبني على الفتح {عَلَيْهِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لا والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} تقدم إعرابها والجملة معطوفة {لِمَنِ اتَّقى} اللام حرف جر ومن اسم موصول في محل جرّ باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي ذلك التّخيير. ونفي الإثم عن المتعجّل والمتأخر كائن لمن اتقى.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} الواو عاطفة واتقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل ولفظ الجلالة مفعول به {وَاعْلَمُوا} عطف على اتقوا {أَنَّكُمْ} أن واسمها {إِلَيْهِ} الجار والمجرور متعلقان بتحشرون {تُحْشَرُونَ} فعل مضارع وفاعل والجملة الفعلية خبر أن، وأن وما بعدها في تأويل مصدر سدت مسد مفعولي اعلموا.

.[سورة البقرة: الآيات 204- 206]:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206)}.

.اللغة:

{أَلَدُّ الْخِصامِ} الألدّ: صفة مشبّهة، والّلدد: شدة الجدال، وتركت فلانا يتلدّد أي يتلفّت يمينا وشمالا من حيرته فما يستقرّ على حال، فهي كلمة متحرّكة تمثّل صورة مركبّة، والخصام: مصدر خاصم، قاله الخليل، وقال الزجاج: الخصام: جمع خصم كصعب وصعاب، وضخم وضخام.

.الإعراب:

{وَمِنَ النَّاسِ} الواو عاطفة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم والجملة منسوقة على جملة فمن الناس إلخ {مِنَ} اسم موصول مبتدأ مؤخر {يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} فعل مضارع ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول {فِي الْحَياةِ} الجار والمجرور متعلقان بقوله أو يعجبك، فعلى الأول يكون القول صادرا في الحياة، وعلى الثاني يكون الإعجاب صادرا فيها {الدُّنْيا} صفة للحياة {وَيُشْهِدُ} الواو استئنافية أو عاطفة ويشهد فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو {اللَّهَ} لفظ الجلالة مفعول به {عَلى ما} الجار والمجرور متعلقان بيشهد {فِي قَلْبِهِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول أي من مدلول القول: {وَهُوَ} الواو حالية وهو مبتدأ {أَلَدُّ الْخِصامِ} خبر {وَإِذا} الواو عاطفة وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن متعلق بالجواب {تَوَلَّى} فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو والجملة في محل جر بالإضافة {سَعى} فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {فِي الْأَرْضِ} الجار والمجرور متعلقان بسعى {لِيُفْسِدَ فِيها} اللام للتعليل ويفسد فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بيفسد {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} عطف على ليفسد {وَاللَّهُ} الواو استئنافية واللّه مبتدأ {لا} نافية {يُحِبُّ الْفَسادَ} فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو أي اللّه تعالى والفساد مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر اللّه {وَإِذا قِيلَ} الواو عاطفة على قوله يعجبك، ولك أن تجعلها استئنافية، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة قيل في محل جر بالإضافة {لَهُ} الجار والمجرور متعلقان بقيل {اتَّقِ اللَّهَ} اتق فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت ولفظ الجلالة مفعول به، والجملة مقول القول: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ} فعل ماض وتاء التأنيث الساكنة والهاء مفعول به والعزة فاعله والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {بِالْإِثْمِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال أي ملتبسة، وتكون الباء للمصاحبة.
ويجوز أن يتعلقان بأخذته، فتكون الباء لمجرد التعدية {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} الفاء الفصيحة كأنه أجاب عن مصيره وحسبه خبر مقدم وجهنم مبتدأ مؤخر {وَلَبِئْسَ الْمِهادُ} الواو واو القسم واللام واقعة في جواب القسم أي واللّه، وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم والمهاد فاعله والمخصوص بالذم محذوف أي هي، والجملة جواب قسم لا محل لها.

.[سورة البقرة: الآيات 207- 209]:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}.

.اللغة:

{يَشْرِي} يبيع.
{السلم} الاستسلام وهو بكسر السين وفتحها.
{كَافَّةً} من الكفّ كأنهم كفّوا عن أن يشذ واحد منهم.